کد مطلب:190624 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:285

تعلیمه عبدالملک علی سک الدراهم و الدنانیر
أجمع رجال التاریخ و السیر علی أن الامام أمیرالمؤمنین علیه السلام بقی فی عهد من تقدمه من الخلفاء المفزع للمهمات، و الملجأ عند الشدائد، فكم من مرة ترد علی من سبقه معضلة یعجز عنها و یعجز عنها المسلمون، فیصیرون الیه فیكشفها عنهم، و قد ذكر المؤرخون و أهل السیر و التراجم كلمات عمر بن الخطاب فی ذلك، كقوله: «لا أبقانی الله بعد ابن أبی طالب» و «لولا علی لهلك عمر» و «لا بقیت لمعضلة لیس لها أبوالحسن» و قد ألف جماعة من العلماء كتبا فی أقضیته علیه السلام، و ما حله من مشاكل وردت علی من تقدمه، و بقی أبناءه علیهم السلام المفزع و الملجأ لما یرد علی حكام زمانهم من مشاكل و معضلات یعجزون عنها، و لا یهتدون لحلها، فیرجعون بها الیهم، و یستسلمون عندها لأمرهم.

نذكر فی هذه الصفحات حادثة وقعت لعبد الملك بن مروان، و رجوعه الی الامام علیه السلام فیها، و امتثاله بما أشار به علیه.

قال الكسائی: دخلت علی الرشید ذات یوم و هو فی ایوانه، و بین یدیه مال كثیر، قد شق عنه البدر شقا، و أمر بتفریقه فی خدم الخاصة، و بیده درهم تلوح كتابته، و هو یتأمله و كان كثیرا ما یحدثنی.

فقال: هل علمت من أول سن هذه الكتابة فی الذهب و الفضة؟

قلت: یا سیدی هذا عبدالملك بن مروان.

قال: فما كان السبب فی ذلك؟

قلت: لا علم لی فی غیر أنه أول من أحدث هذه الكتابة.



[ صفحه 381]



قال: سأخبرك: كانت القراطیس للروم، و كان أكثر من بمصر نصرانیا علی دین الملك، ملك الروم، و كانت تطرز بالرومیة، و كان طرازها: أبا و ابنا و روحا قدیسا، فلم یزل كذلك صدر الاسلام كله یمضی علی ما كان علیه، الی أن ملك عبدالملك فتنبه علیه، و كان فطنا، فبینا هو ذات یوم اذ مر به قرطاس فنظر الی طرازه، فأمر أن یترجم بالعربیة، ففعل ذلك فأنكره، و قال: ما أغلظ هذا فی أمر الدین و الاسلام، أن یكون طراز القراطیس و هی تحمل فی الأوانی و الثیاب، و هما یعملان بمصر و غیر ذلك مما یطرز من ستور و غیرها من عمل هذا البلد علی سعته، و كثرة ماله و أهله، تخرج منهم هذه القراطیس فتدور فی الآفاق و البلاد و قد طرزت بشرك مثبت علیها فأمر بالكتابة الی عبدالعزیز بن مروان، و كان عامله بمصر، بأبطال ذلك الطراز علی ما كان یطرز به من ثوب و قرطاس و ستر و غیر ذلك، و أن یأخذ صناع القراطیس بتطریزها بسورة التوحید و «شهد الله أنه لا اله الا هو» و هذا طراز القراطیس خاصة الی هذا الوقت لم ینقص و لم یزد و لم یتغیر، و كتب الی عمال الآفاق جمیعا بابطال ما فی أعمالهم من القراطیس المطرزة بطراز الروم، و معاقبة من وجد عنده بعد هذا النهی شی ء منها بالضرب الوجیع، و الحبس الطویل، فلما أثبت القراطیس بالطراز المحدث بالتوحید و حمل الی بلاد الروم منها، انتشر خبرها، و وصل الی ملكهم فترجم له ذلك الطراز فأنكره و غلظ علیه فاستشاط غضبا و كتب الی عبدالملك ان عمل القراطیس بمصر و سائر ما یطرز هناك للروم، و لم یزل یطرز بطراز الروم الی أن أبطلته، فان كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، و ان كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختبر من هاتین الخلتین أیهما شئت و أحببت، و قد بعثت الیك بهدیة تشبه محلك، و أحببت أن تجعل رد ذلك الطراز الی ما كان علیه فی جمیع ما كان یطرز من أصناف الاعلاق، حاجة أشكرك علیها، و تأمر بقبض الهدیة، و كانت عظیمة القدر، فلما قرأ عبدالملك كتابه رد الرسول، و أعلمه أن لا جواب له، و لم یقبل الهدیة.

فانصرف بها الی صاحبه، فلما وافاه أضعف الهدیة ورد الرسول الی عبدالملك و قال: انی ظننتك استقللت الهدیة فلم تقبلها، ولم تجبنی عن كتابی، فأضعفت لك الهدیة، و أنا أرغب الیك فی مثل ما رغبت فیه من رد هذا الطراز الی ما كان علیه أولا.



[ صفحه 382]



فقرأ عبدالملك الكتاب و لم یجبه، ورد الهدیة.

فكتب الیه ملك الروم یقتضی أجوبة كتبه، و یقول: انك قد استخففت بجوابی و هدیتی، و لم تسعفنی بحاجتی فتوهمتك استقللت الهدیة فأضعفتها، فجریت علی سبیلك الأول، و قد أضعفتها ثالثة، و أنا أحلف بالمسیح لتأمرن برد الطراز الی ما كان علیه أو لآمرن بنقش الدنانیر و الدراهم، فانك تعلم أنه لا ینقش شی ء منها الا ما ینقش فی بلادی، - و لم تكن الدراهم و الدنانیر نقشت فی الاسلام - فینقش علیها من شتم نبیك ما اذا قرأته ارفض جبینك له عرقا، فأحب أن تقبل هدیتی، و ترد الطراز الی ما كان علیه، و تجعل ذلك هدیة بررتنی بها، و تبقی علی الحال بینی و بینك.

فلما قرأ عبدالملك الكتاب غلظ علیه، و ضاقت به الأرض، و قال: احسبنی أشأم مولود ولد فی الاسلام، لأنی جنیت علی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من شتم هذا الكافر ما یبقی غابر الدهر، و لا یمكن محوه من جمیع مملكة العرب، اذ كانت المعاملات تدور بین الناس بدنانیر الروم و دراهمهم.

و جمع أهل الاسلام و استشارهم فلم یجد عند أحد منهم رأیا یعمل به.

فقال له روح بن زنباغ: انك لتعلم الرأی و المخرج من هذا الأمر و لكنك تتعمد تركه.

فقال: ویحك من؟

قال: الباقر من أهل بیت النبی صلی الله علیه و آله و سلم.

قال: صدقت، و لكنه ارتج علی الرأی فیه، فكتب الی عامله بالمدینة: أن أشخص الی محمد بن علی بن الحسین مكرما، و متعه بمائتی ألف درهم لجهازه، و بثلاثمائة ألف درهم لنفقته، و أزح علته فی جهازه و جهاز من یخرج معه من أصحابه، و احتبس الرسول قبله الی موافاته علیه، فلما وافی أخبره الخبر.

فقال له الباقر: لا یعظمن هذا علیك، فانه لیس بشی ء من جهتین:

أحدهما: ان الله جل و عز لم یكن لیطلق ما یهددك صاحب الروم فی رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم.



[ صفحه 383]



و الأخری: وجود الحیلة فیه.

قال: و ما هی؟

قال: تدعو فی هذه الساعة بصناع یضربون بین یدیك سككا للدراهم و الدنانیر، و تجعل النقش علیها سورة التوحید و ذكر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحدهما فی وجه الدرهم و الدینار، و الآخر فی الوجه الثانی، و تجعل فی مدار الدرهم و الدینار ذكر البلد الذی یضرب فیه، و السنة التی تضرب فیها تلك الدراهم و الدنانیر، و تعمد الی وزن ثلاثین درهما عددا من الثلاثة الأصناف التی العشرة منها عشرة مثاقیل، و عشرة منها وزن ستة مثاقیل و عشرة منها وزن خمسة مثاقیل، فتكون أوزانها جمیعا واحدا و عشرین مثقالا، فتجزؤها من الثلاثین فتصیر العدة من الجمیع وزن سبعة مثاقیل و تصب سنجات من قواریر لا تستحیل الی زیادة و لا نقصان، فتضرب الدراهم علی وزن عشرة، و الدنانیر علی وزن سبعة مثاقیل، و كانت الدراهم فی ذلك الوقت انما هی الكسرویة، التی یقال لها الیوم البغیلیة، لأن رأس البغل ضربها لعمر بن الخطاب بسكه كسرویة فی الاسلام، مكتوب علیها صورة الملك، و تحت الكرسی مكتوب بالفارسیة (نوش خر) أی كل هنیئا، و كان وزن الدرهم منها قبل الاسلام مثقالا، و الدراهم التی كانت وزن العشرة منها وزن ستة مثاقیل، و العشرة وزن خمسة مثاقیل هی السمیریة الخفاف و الثقال، و نقشها نقش فارس.

ففعل عبدالملك ذلك، و أمره محمد بن علی بن الحسین أن یكتب السكك فی جمیع بلدان الاسلام، و أن یتقدم الی الناس فی التعامل بها، و أن یتهددوا بقتل من یتعامل بغیر هذه السكك من الدراهم و الدنانیر و غیرها، و أن تبطل و ترد الی مواضع العمل حتی تعاد علی السكك الاسلامیة.

ففعل عبدالملك ذلك، ورد رسول ملك الروم الیه یعلمه بذلك.

و یقول: ان الله جل و عز مانعك مما قدرت أن تفعله، و قد تقدمت الی عمالی فی أقطار الأرض بكذا، و بابطال السكك و الطراز الرومیة.

فقیل لملك الروم: افعل ما كنت تهددت به ملك العرب.



[ صفحه 384]



فقال: انما أردت أن أغیظه بما كتبت به الیه، لأنی كنت قادرا علیه، و المال و غیره برسوم الروم فأما الآن فلا أفعل لأن ذلك لا یتعامل به أهل الاسلام.

و امتنع من الذی قال، و ثبت ما أشار به محمد بن علی بن الحسین الی الیوم. قال: ثم رمی بالدرهم الی بعض الخدم و قال: علی بالخازن الخ [1] .



[ صفحه 385]




[1] المحاسن و المساوي ء للبيهقي: 2 / 129.